السبت، 28 يونيو 2014

قانون الجنسية القطرية والحقوق السياسية للمواطنين


    

قانون الجنسية القطرية والحقوق السياسية للمواطنين

 محمد الخليفي (مواطن قطري)

 الأربعاء 4/6/2008

..لقد أثارت المادة السادسة عشرة من قانون الجنسية القطرية رقم (38) لسنة 2005، ردود فعل وانفعالات سلبية بين عدد كبير من المواطنين، وستظل تثير بذور فرقة وتغرسها في تربة المجتمع ما تجدد الحديث عن الانتخابات أو ما يرتبط بها من معانٍ ومواقف.
ونحن انطلاقاً من حرية التعبير وأهميته نحاول أن نعرض لرأي، نرجو الله أن يسهم ولو بحجر صغير في بناء المشروع الديمقراطي الذي يتطلع له جميع المواطنين، وتبشر به قيادتنا السياسية. رأي ينظر إلي هذه المادة من زاوية العلاقة بين الحقوق السياسية والتماسك والأمن الاجتماعي، خلاصته هي أن التمييز بين المواطنين في الحقوق السياسية يؤثر بصورة سلبية علي العلاقات بين أفراد المجتمع ويهدد أمن المجتمع واستقراره.

 

من المعلوم أن أول قانون ينظم الجنسية قد صدر في عام 1961م (قانون الجنسية القطرية رقم(2) لسنة 1961) ونشر بالجريدة الرسمية في 3 / 4/ 961 1العدد 2. واشتمل القانون علي (17) مادة. ولقد خضع قانون الجنسية هذا لعدد من التعديلات أولها كان ب ((قانون رقم 19 لسنة 1963 بتعديل بعض أحكام قانون الجنسية القطرية رقم 2 لسنة 1961)) والتعديل الثاني كان ب ((مرسوم بقانون رقم (17) لسنة 1966 بتعديل بعض أحكام قانون الجنسية القطرية رقم (2) لسنة 1961)) ، وآخر تعديل هو ما جاء به قانون الجنسية القطرية الحالي (قانون الجنسية القطرية رقم (38) لسنة 2005)، وهو لم يعدل بعض المواد كما في التعديلين السابقين بل أعاد صياغة القانون من جديد بحيث اشتمل علي (26) مادة. يهمنا منها المادة (16) والتي تقول((îلا يكون لمن اكتسب الجنسية القطرية حق الانتخاب أو الترشيح أو التعيين في أي هيئة تشريعية)) التشديد من عندنا .

 

وبهذا النص ميز القانون بين المواطنين في حقوقهم السياسية وأنشأ في المجتمع الواحد مجموعتين من المواطنين، واحدة ((بحقوق سياسية)) وأخري ((دون حقوق سياسية)). وهو في هذا يختلف ويتخلف عن قانون الجنسية رقم (2) لسنة 1961 الذي قصر هذا القيد مدة عشر سنوات، حيث نص القانون علي تقييدحق الانتخاب والترشيح للأجنبي الذي اكتسب الجنسية القطرية بانقضاء عشر سنوات قبل ممارسة الحق المادة (8).

 

وقد عللت المذكرة الإيضاحية لأحكام قانون الجنسية القطرية ذلك بأنه قد جاء متسقاً وأحكام المادة (80) من الدستور، التي اشترطت في عضو مجلس الشوري أن يكون قطرياً بصفة أصلية أو كما جاء في الفقرة الأولي من هذه المادة : ((أن تكون جنسيته الأصلية قطرية)).

 

ونحن لا نريد أن ندخل في جدل لغوي أو قانوني لتحديد معني ((جنسيته الأصلية قطرية)) التي وردت في الدستور.

 

يمكننا أن نشيرإلي أن هذه الفقرة : ((أن تكون جنسيته الأصلية قطرية)) لا يمكن أن تفهم فقط علي الوجه الذي فهمت به من خلال قانون الجنسية. فعبارة (الأصلية) التي وردت في نص الدستور، لا يمكن أن تعني فقط - في حدود ما نفهم - الأفراد الذين توطنوا (قطر) قبل عام 1930 م ، وإذا فهمت علي هذا النحو فهو فهم تحكمي إجرائي ليس أكثر.

 

نعلل ذلك مستندين علي الاعتبارات التالية :

 

أولاً. الذين توطنوا قطر قبل 1930 م بعضهم علي الأقل - وهذا يكفي لدحض الفهم الذي ورد في المذكرة الايضاحية لقانون الجنسية - قدموا من (دول) مختلفة يحملون جنسيتها ، وبالتالي لا يمكن أن تكون جنسيتهم الأصلية قطرية، وكونهم تنازلوا عن أو تناسوا جنسياتهم السابقة لا يغير من صفتهم تلك.

 

ثانياً. لقد قبل القانون في الفقرة الثانية من مادته الأولي المخصصة لتحديد من هم القطريون، أن يكون الشخص قطرياً حتي لو لم يتوطن قطر قبل 1930م ولم يحافظ علي إقامته العادية في قطر، وحتي لو لم يحتفظ بجنسيته القطرية. بل قد يكون الشخص وربما أبوه أو أبعد من ذلك نسباً ممن يحملون الجنسية غير القطرية، وأنه يرغب الآن في الحصول علي الجنسية القطرية، لكي يعتبر قطرياً إذا ثبت أنه من أصول قطرية، ولم يكتف القانون بهذا الإثبات بل علقه علي قرار أميري يعتبره كذلك.

 

إن الأساس والمعيار الذي يميز بين القطري وغير القطري غير متوفر في مثل هذا الشخص. فالأساس هو التوطن، أي أن يجعل من قطر وطناً له من خلال المحافظة علي إقامته العادية فيها.

 

ثالثاً. إن عبارة (أصلية) الواردة في الفقره المشار إليها آنفاً، هي عبارة تستخدم لأغراض إجرائية، فلا وجود لجنسية قطرية قبل صدور قانون الجنسية رقم (2) لسنة 1961 م هذا من ناحية، ولا الذين توطنوا قطر قبل عام 1930 يرجعون إلي (أصول) واحدة لا مكانياً، ولا عرقياً، ولا لغوياً ، ولا مذهبياً، من ناحية أخري.

 

ومن الأمثلة التي يمكن أن نقدمها للقارئ علي استخدام المفاهيم لأغراض تنظيمية وإجرائية، ما ورد في التعديل الأول لقانون 1961 الذي يقول فيه : ((يعتبر الشخص محافظاً علي إقامته العادية في قطر حتي لو أقام في بلد أجنبي، متي كان قد استبقي نية العودة إلي قطر)) ، فاعتبر نية العودة - دون أن يربطها بظرف خاص كالدراسة أو العلاج أو نحوه - إلي قطر مساوية للإقامة العادية. وشتان بين النية والفعل. بل من الذي يستطيع أن يكشف عن وجود تلك النية،إن وجدت، غير الحق سبحانه؟!

 

ومن الأمثلة الأخري التي يمكن أن نوردها في هذا الصدد ، ما ورد في المادة الثانية من أنه ((.. يعتبر قطرياً بالتجنس من ولد في قطر أو في الخارج لأب قطري بالتجنس)) ، علي الرغم من كون عملية (التجنس) تتوقف علي إرادتين منفصلتين : إرادة المتجنس من جانب، وإرادة مانح الجنسية (الدولة) ، فكيف يعتبر القانون شخصاً ما قطريا بالتجنس، وهو لم يتقدم لطلب الجنسية، كيف يفرض عليه القانون جنسية لم يطلبها ؟!

 

وتأسيساً علي ما تقدم فإننا نستطيع أن نقدم فهماً آخر لكلمة الأصلية الواردة في الدستور فنقول : ((يعتبر قطرياً بالأصل كل من :

 

1 - توطن قطر قبل عام 1930 م.

 

2 - حصل علي الجنسية القطرية وحافظ علي إقامته العادية في قطرعشر سنوات تالية لحصوله علي الجنسية)).

 

أو نقول : ((يعتبر قطرياً بالأصل كل من :

 

1 - توطن قطر قبل عام 1930 م.

 

2 - كانت الجنسية القطرية هي جنسيته الأولي)). أو غير ذلك من اعتبارات، بحيث لا يُحرم من اكتسب الجنسية القطرية من حقوقه السياسية، ولا نقسم المجتمع إلي مواطن درجة أولي، ومواطن درجة ثانية.

 

إن الذي صاغ المادة (16) من قانون الجنسية يستطيع أن يصوغ مادة أخري تحفظ حقوق المتجنسين السياسية ، وتكون متسقة مع الدستور. فالجنسية أساساً علاقة بين فرد ودولة، تقوم الدولة بإنشائها ووضع قواعد تنظيمها، وشروط استحقاقها، وتحديد مضمون مفرداتها.

 

إن من يتأمل قانون الجنسية القطرية رقم (58) لسنة 2005م ويقارنه بقانون الجنسية القطرية رقم (2) لسنة 1961م، سيسجل تخلفه عن هذا الأخير من زاوية حقوق المواطن، وبناء المجتمع الديمقراطي، كما أنه في الوقت الذي يتزايد فيه الحديث عن الديموقراطية وحقوق الإنسان، وفي الوقت الذي يتراجع فيه التمييز بين المواطنين تحت ضغط الحركات الحقوقية، وتنتهي فيه حكومة الأقليات والتمييز العنصري، تبدو تلك الفقرة من المادة (16) من قانون الجنسية القطري نشازاً ليس فقط مع الاتجاه العام السائد في العالم، بل مع ما تدعو له وتبشر به السلطة السياسية في قطر.

 

وعلي الرغم من أن قانون الجنسية وإن جاء متسقاً مع منطوق المادة (80) من الدستور، كما تقول المذكرة الايضاحية، إلي أنه يتناقض مع مواد دستورية أخري. وهي ليست أي مواد، بل المواد التي تحدد (المقومات الأساسية للمجتمع) ، أي التي لا تقوم للمجتمع قائمة إذا خرقت أو تعرضت للانتهاك.

 

فالدستور في مادته الثامنة عشرة يؤكد علي أن (المجتمع القطري) يقوم (علي دعامات العدل، والإحسان ، والحرية ، والمساواة ، ومكارم الأخلاق). هكذا يؤكد الدستور علي أن المساواة بين المواطنين دعامة أساسية من دعامات المجتمع القطري. ويأتي في باب (الحقوق والواجبات العامة) وفي المادة (34) ليوضح طبيعة تلك المساواة بالقول : (المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات العامة) .

 

 وقانون الجنسية عندما يقرر بأنه (.. لا يكون لمن اكتسب الجنسية القطرية حق الانتخاب أو الترشيح أو التعيين في أي هيئة تشريعية) إنما ينقض مبدأ المساواة الذي تقرره مواد الدستور ، فما الحقوق والواجبات العامة إن لم يكن حق الانتخاب والترشيح إحداها؟!

 

ولا يكتفي الدستور بتقرير ذلك، بل يؤكد في مادته التاسعة عشرةعلي ((صيانة الدولة دعامات المجتمع)). فالدولة مسؤولة عن صيانة هذه الدعامات بكل ما تملك من وسائل. ثم يأتي في مادته العشرين فيقول : (تعمل الدولة علي توطيد روح الوحدة الوطنية، والتضامن والإخاء بين المواطنين كافة).

 

والذي لا شك فيه هو أن سلب بعض المواطنين (حق الانتخاب أو الترشيح أو التعيين في أي هيئة تشريعية) هدم لدعامات المجتمع، وعمل ضد إرادة الدولة التي (تعمل علي توطيد روح الوحدة الوطنية، والتضامن والإخاء بين المواطنين كافة).

 

كما تبدو المادة (53) التي تؤكد علي أن (الدفاع عن الوطن واجب علي كل مواطن) متناقضة مع مقتضيات العدالة، فكيف لا يفرق القانون بين المواطنين بالأصل أو بالتجنس في أداء الواجب، وبذل أرواحهم إذا اقتضي الأمر دفاعاً عن الوطن، ويميز بينهم في الحصول علي الحق في المشاركة في بناء الوطن ؟!

 

والسؤال الذي يطرح نفسه والذي نتجاوز به أي جدل قانوني هو : ما الآثار التي ستلحقها هذه المادة بالوحدة الوطنية و" بالانتماء لهذا الوطن " ؟ هل سيؤدي حجب حق الترشيح والانتخاب عن المواطنين المتجنسين إلي المحافظة علي" الهوية السياسية " ؟ أم سيؤدي حجب هذا الحق إلي شق الوحدة الوطنية، ونزع الانتماء للوطن ؟ هل يعزز القانون فرص الاندماج الوطني أم يحول دون ذلك ؟

 

ونحن إذ نطرح هذه الأسئلة فإننا نحاول النظر في الآثار التي يمكن أن يحدثها القانون في سلامة الوطن وأمنه واستقراره، ونهضته وتقدمه، من خلال تأثيره علي الوحدة الوطنية والتضامن والإخاء بين المواطنين، وهي أسئلة - كما لا بد أن يلاحظ القارئ - تتجاوز المطابقة الشكلية للقانون، وتدفعنا إلي النظر في مستوي أعمق.

 

فإذا كانت مشروعية تصرفات الأشخاص في المجتمع تقاس من الناحية الشكلية بناء علي مطابقتها للقانون، فإن شرعية القانون - في أي مستوي - تتحدد بناء علي مدي اتساقه وانسجامه مع مصالح المواطنين، فالقانون ليس غاية في ذاته بل هو في المقام الأول والأخير وسيلة لتنظيم وتحقيق وحماية مصالح المواطنين.

 

إن أمن المجتمع وسلامته واستقراره هي العناصر الثابتة، والقانون يتغير ليخدمها ويحميها. إن القانون في الأساس، وفي أي درجة أو مستوي من مستوياته يخدم مصالح مجتمعية، وسلامة المجتمع مقدمة علي القانون.

 

فما المصلحة الاجتماعية الأولي المقدمة علي ما عداها من المصالح ؟ ما المصلحة الاجتماعية التي تعتبر شرطاً ضرورياً لغيرها من المصالح ؟

 

السلم الاجتماعي هو المصلحة الأولي التي تتقدم ما عداها من المصالح، إنه الشرط الضروري الذي يجعل العمل الاجتماعي ممكناً، فهو الذي يهيئ الفرص ويوفر المناخ للعمل المنتج والتعاون المثمر، وهو الذي يجعل الحياة ممكنة.

 

وما ينبغي أن نلفت الانتباه إليه هو أن السلم الاجتماعي لا يتحقق من خلال الطاعة بدافع الخوف، فهذا استقرار مؤقت يزول بزوال دافعه، بل السلم الاجتماعي الحقيقي هو الذي يطيع فيه الأفراد السلطة احتراماً للواجب، القانوني والأخلاقي.

 

إن قراءة التاريخ، تاريخنا وتاريخ العالم من حولنا، القديم والحديث، تعلمنا أن التمييز بين المواطنين بأي صورة من الصور، وبأي درجة من الدرجات، ظلم اجتماعي، لا يمكن أن يبني الوشائج المشتركة بين المواطنين، ولا يحافظ علي تماسك عري المجتمع، ولا ((يرسخ الانتماء)) للوطن، ولا يضمن استقراره، بل يبذر الفرقة الاجتماعية في تربة المجتمع، فيعرض استقراره للاضطراب ووحدته الوطنية للتَّفكك والانفراط.

 

ونحن إذ نتأمل قانون الجنسية الصادر في 2005 م وننتقد بعض فقراته ونؤكد علي تناقضه مع مبادئ أساسية في الدستور وعدم مسايرته لحركة حقوق الإنسان وحقوق المواطن، ونحذر من آثاره السلبية علي أمن المجتمع واستقراره وتقدمه، فإن عيوننا وقلوبنا وعقولنا تتجه إلي المستقبل، وتعبر عن حرص علي وحدة الوطن وأمنه وسلامة العلاقة بين مواطنيه، وحرص أيضاً علي أن لا تضطر قيادتنا السياسية إلي تكرار تجارب فاشلة تعيشها مجتمعات نراها أمامنا بالعين المجردة، تجارب لم تؤد إلا إلي التفكك والاحتراب الداخلي. ولا يخدعنك الاستقرار الظاهري أو المرحلي، فحركة المجتمعات لا تقاس بسنوات الأفراد مهما طالت.

 

لقد عبر سمو الأمير حفظه الله في خطابه في الاجتماع الأول للجنة إعداد الدستور الدائم في 7/12/ 1999 م أصدق تعبير عن الرؤية البعيدة المدي التي تتطلع للمستقبل وتستشرف آفاقه ، حيث أكد علي أنه ((.. لم يعد كافياً الآن أن نبدأ من حيث انتهي الآخرون، بل يجب أن تكون لنا رؤيتنا البعيدة التي تستشرف آفاق المستقبل، خاصة وأن ملامح عالم القرن الحادي والعشرين باتت ظاهرة للعيان)) ولقد وجد سموه البرهان القاطع في أن ((الشعوب التي تسلحت بالعلم، وتحصنت بالمعرفة، وكرست الديمقراطية وحقوق الإنسان، هي التي واجهت التحديات وتخطت الصعاب وشيدت مجتمعاً اتخذ من الحرية المسؤولة منهاجاً في بناء ذاته ودعم مؤسساته)).

 

لقد شاء القدر أن تكون قطر وقيادتها السياسية حاضرة بقوة وعمق في الأزمة اللبنانية، وأحد أوجه هذه الأزمة هو تشكيل حكومة وحدة وطنية، أي حكومة لا يُستبعد منها طرف عن المشاركة في القرارات التي يتعلق بها مصير الوطن ومستقبله. ولكم في ذلك عبرة.

 

إن حل مشكلات الواقع السياسي لا يمكن أن يتم من خلال خلق مشكلات جديد، وتجاوز أخطاء الماضي لا يكون بارتكاب أخطاء أكبر في المستقبل.

 

وبعد فنحن علي ثقة ليس فقط في سعة صدر قيادتنا السياسية، بل في حكمتها، ورجاحة عقلها، وقدرتها علي التمييز بين من ينشد مصالح آنية، وبين من يتطلع إلي مستقبل زاهر للوطن والمواطن.

 

 


 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق