الخميس، 26 يونيو 2014

الدستور والتوافق الوطني


الدستور والتوافق الوطني

2012-12-27

 

محمد الخليفي

 يخلط البعض بين ما هو نتيجة قرار أغلبية وبين ما هو نتيجة توافق. وهو خلط مقصود. خلط يريد فرض رأي أكثرية، حقيقية أو متوهمة، دائمة أو مؤقتة، في أمر هو ذو طبيعة شبه دائمة. فهذا الشيخ محمد عبدالمقصود يقول: «.. إيه كلمة توافقي؟! أنا بدي أفهم يعني إيه كلمة توافق دي؟! مش إحنا قلنا الأغلبية!! في حاجة اسمها توافق؟! إلى أي درجة؟! افرض أغلبية الشعب دلوقتي عايزة الشريعة الإسلامية، وفيه أقلية مش عايزة الشريعة الإسلامية تطلع توافقي إزاي؟! الإنسان يصلي الظهر ركعتين.. ركعتين كده علشان الإسلام ويسيب ركعتين علشان العلمانية!! يصوم مثلاً رمضان يوم ويوم أو يستبدله بشعبان!! قل لي إزاي يطلع دستور توافقي؟!» حديث الشيخ محمد عبد المقصود مع الشيخ خالد عبد الله في قناة الناس برنامج فضفضة، نشر 3/12/2012.


وهذا مثال آخر للخلط بين ما يعبر عن توافق وما يعبر عن أغلبية يطرحه محمد إلهامي (سلفي) «.. لو أن الناس يستطيعون حل مشكلاتهم بالتوافق لما كان ثمة حاجة للقوانين والدساتير أصلاً! ولا كان لنا حاجة إلى أجهزة الشرطة والجيش والمخابرات.. ذلك أن وجود الدساتير والقوانين والقوة المطلوبة لتنفيذها إنما هو تعبير عن الفشل البشري في تسوية المشكلات بالتوافق! وإنه لمن المشين أن تحاول صفوة الناس في مصر أن تحاول هذه المحاولة، إنتاج دستور بالتوافق.. المعروف بالمنطق والبداهة أن الناس يضعون دستوراً لأنفسهم، فينبغي أن يعبر هذا الدستور عنهم، سيتوافقون على البعض ويختلفون في البعض، وهذا المُختلف فيه يجب أن يعبر عن التوجه الغالب للمجتمع، رؤيته وثقافته وطموحاته واتجاهاته الدينية واللغوية والفكرية، بالمخالفة للأقليات الدينية والسياسية واللغوية..».

وبعيداً عن المثال غير الحقيقي، وغير الواقعي الذي يطرحه الشيخ عبد المقصود، فإن النتيجة التي بالتوافق هي غير النتيجة التي بالأغلبية، فالنتيجة الأولى قد تكون رأي الأقلية وقبلت بها الأكثرية تنازلاً للأقلية وطمأنة لها. وهي بذلك تعبر عن تسامح وحسن نية وثقة بالنفس. والتوافقات تحدث حتى في أمور الحياة العادية، عندما يقدم البعض تنازلاً للآخر لكي يحفظ علاقة ما، فما بالك بالمحافظة على الأوطان.

التوافق لا يحتاج إلى تصويت وإنما إلى بناء ثقة، وعندما تنعدم الثقة ينعدم معها كل شيء. وعندما لا نعترف بأنه يمكن بناء توافق بين أبناء المجتمع! خصوصاً على المبادئ الحاكمة لحقوق الناس وواجباتهم في المجتمع فيما يعبر بالدستور، ونرى أن ما تراه الأغلبية هو الذي يجب أن يسود و»بالمخالفة للأقليات الدينية والسياسية واللغوية» فإننا لا نفعل شيئاً سوى شق المجتمع وإثارة الاضطراب فيه!! وما يجري في مصر شهيد على ذلك.. دستور صوت عليه ثلث الشعب، وحصل على نسبة %63.8. ولا يعدل إلا بموافقة الثلثين!!


 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق