الخميس، 26 يونيو 2014

الخلل السكاني قراءة في السياسة السكانية لدولة قطر 1-2


الخلل السكاني.. قراءة في السياسة السكانية لدولة قطر 1 – 2

2011-07-27

 

محمد الخليفي

 بين العنوان والخاتمة في مقالي عن الخلل السكاني طرحت سؤالين: من يتصدى لإصلاح الخلل السكاني؟ ومتى يتم ذلك؟ والإجابة: أن إصلاح الخلل السكاني هو مسؤولية مجتمعية. (العرب 20 يوليو2011). ويبقى السؤال: كيف نصلح الخلل السكاني؟

وسوف نحاول في هذا المقال أن نطرح واحدة من هذه الإجابات. قصدت (السياسة السكانية لدولة قطر) التي أقرها مجلس الوزراء في أبريل من عام 2009، فهي الأساس في معالجة القضايا المرتبطة بالسكان في دولة قطر بما فيها الخلل السكاني.

وما ينبغي أن نسجله في بداية الحديث وقبل أن ننطلق في مناقشة السياسة السكانية وما تمخض عنها من تطبيق في عامها الأول كما ورد في تقريرها السنوي الأول (حالة سكان قطر 2010 عام على انطلاق السياسة السكانية) هو تقديرنا للجهود التي بذلت أولاً في التفكير في الخلل السكاني الذي يهدد وجود مجتمعنا القطري، وثانياً في محاولة تلمس الأسباب التي أدت إليه، وثالثاً في تدارس الحلول التي يمكن بها تصحيحه، ورابعاً في العمل المتواصل لمتابعة وتقييم كل ذلك.

وانطلاقاً من قناعتنا بأن قضية الخلل السكاني قضية مجتمعية عامة تعنينا وتهمنا، ومن إحساسنا بحجم الجهد المبذول في إعداد ومتابعة السياسة السكانية، وبصدق من حاولوا النهوض بهذه المهمة، وأنها جديرة بالنظر فيها ومناقشتها، فإننا نسود هذه الصفحات بما نظن أنه الحق، آملين أن تحرك ساكناً وأن توقظ نائماً.

سوف ننظر في (السياسة السكانية لدولة قطر) من حيث تناولها لظاهرة الخلل السكاني وكيفية تجاوزه. كما تم عرضهما في البنود الثلاثة: الأول (النمو السكاني) الثاني (التركيبة السكانية) والخامس (القوى العاملة) من المحور الأول من السياسة السكانية، رغم قناعتنا بأن ظاهرة الخلل السكاني تستمد من جذر واحد هو الخلل في قوة العمل.

تنطلق السياسة السكانية من «استشعار للأخطار المستقبلية التي يمكن أن تنجم عن الارتفاع غير الطبيعي لمعدل النمو السكاني في دولة قطر»، ومن اعتراف بـ «اختلال التركيبة السكانية» الذي يعود إلى قلة «نسبة المواطنين بين مجموع السكان»، ومن وعي بقلة مساهمة القطريين في سوق العمل.

ولقد بينا في مقالنا السابق بالأرقام أن النمو السكاني في قطر قد تخطى كل المعدلات المعروفة في العالم المتقدم والنامي على السواء، وأنه يعزى إلى زيادة أعداد الوافدين (للعمل وليس للسياحة) الذين تجاوزت نسبتهم %85 من السكان.

وتصحيحاً لهذه الاختلالات وضعت السياسة السكانية ثلاث غايات رئيسية لهذه الأبعاد الثلاثة تمثلت في «زيادة معدلات النمو الطبيعي للمواطنين، أو المحافظة عليها على الأقل، وتحقيق التوازن في النمو السكاني العام». و»تصحيح اختلال التركيبة السكانية، بما يؤدي إلى زيادة نسبة عدد المواطنين بين مجموع السكان»، و»زيادة مساهمة القطريين في النشاط الاقتصادي، وخفض نسبة البطالة بينهم، وبالتالي تخفيف عدم التوازن في سوق العمل». ثم وضعت لتحقيق كل غاية من هذه الغايات مجموعة من الأهداف والوسائل التي «تم تحويلها إلى مجموعة من المؤشرات بما يساعد في عملية متابعة تنفيذ السياسة السكانية».

وأول ملاحظة نسجلها هي أن الأهداف الموضوعة لتحقيق الغاية الأولى الخاصة بالنمو السكاني أغفلت الجزء المتعلق بـ «تحقيق التوازن في النمو السكاني العام». فكل الأهداف تُعنى بتحقيق غاية واحدة هي «زيادة المعدلات الحالية للنمو السكاني الطبيعي للمواطنين..» فتشجيع الشباب على الزواج، والحد من مشكلات تأخر سن الزواج، والحد من ارتفاع نسبة الطلاق، ورعاية الصحة الإنجابية، كل ذلك ليس له علاقة بتحقيق التوازن في النمو السكاني العام. إن هذا مرتبط في الأساس بأعداد الوافدين، وليس بانخفاض معدل النمو الطبيعي للمواطنين. وعلى هذا الأساس، لا يمكن بأي حال أن يعالج من خلال النمو الطبيعي للمواطنين، إلا إذا جنسنا نصف الوافدين!!

الملاحظة الثانية هي تلك المتعلقة بالخلل في التركيبة السكانية. فبعد أن وضعت السياسة السكانية على عاتق من يريد أن يتحمل «تصحيح اختلال التركيبة السكانية، بما يؤدي إلى زيادة نسبة عدد المواطنين بين مجموع السكان» صاغت له أهدافاً ثلاثة، يفترض أن تقوده إلى تلك الغاية، هي: تصحيح الاختلال المتعلق بنسبة الجنس، تصحيح الاختلال المتعلق بنسبة المتزوجين، والعمل على تحقيق الاندماج الاجتماعي للسكان. وقدمت له مجموعة من الآليات والوسائل:

إعداد البرامج والأنشطة التثقيفية التي تهدف إلى تماسك الأسرة.

تشجيع الشباب القطريين وحثهم على الزواج من المواطنات.

التوجه نحو تقليل الفارق في نسبة الجنس للوافدين باستقدام الأسر التي يحتاجها سوق العمل.

تشجيع الاعتماد على الوافدين المتزوجين، ولا سيما في التخصصات التي يتطلبها سوق العمل من الجنسين.

نشر الثقافة الوطنية والتأكيد على أن الانتماء للوطن هو الانتماء الأساسي.

نشر مبادئ حقوق الإنسان في المجتمع، وتوفير آليات التواصل الاجتماعي بين جميع السكان.

إن المتأمل في ما تقدم سيجد ضعفاً في الاتساق بين الغاية التي تنشدها وبين الأهداف والوسائل التي تضعها. فهي بعد أن تضع غاية تتجاوز بها الواقع السكاني في قطر الذي وصل فيه المواطنون إلى أقلية بين أقليات، عن طريق زيادة نسبتهم، تأتي لتضع أهدافاً لا تترجم الغاية التي تبتغيها. فتصحيح الاختلال بين عدد الذكور وعدد الإناث وتصحيح الاختلال المتعلق بنسبة المتزوجين، عبر استقدام الوافدين مع أسرهم، والوافدين المتزوجين، لا يمكن أن يؤديا إلى «زيادة نسبة المواطنين بين مجموع السكان»، بل ربما أديا إلى زيادة اختلالها. وبالتالي سوف يؤدي إلى نقيض الغاية: زيادة نسبة المواطنين بين مجموع السكان.

إن هذه الآليات والوسائل (3، 4) ليست لها علاقة بمتغير الجنسية بل بمتغيري الجنس والحالة الزواجية، فتصحيح هذين المتغيرين لا يمكن أن يؤديا منفردين إلى «زيادة نسبة المواطنين». إن من يريد تصحيح الخلل في التركيبة السكانية يجب عليه تصحيح الاختلال في متغير الجنسية. وهذا لن يتأتى إلا من خلال خفض أعداد الوافدين.

ولأن متغير الجنسية كان غائباً من ذهن من صاغ الوسائل، ذهبت الوسيلة الثانية: «تشجيع الشباب القطريين وحثهم على الزواج من مواطنات» بعيداً عن مكمن الخلل!! وإذا كنا نشك في أن (تماسك الأسرة) له علاقة بتصحيح الخلل في التركيبة السكانية، فإننا على يقين من أن الهدف الثالث (العمل على تحقيق الاندماج الاجتماعي للسكان) لا يمكن أن يؤدي إلى زيادة نسبة المواطنين!!

ورغم قناعتنا بأن الهدف الثالث لا علاقة له بالغاية، فإننا نود أن نتساءل: هل «نشر الثقافة الوطنية والتأكيد على أن الانتماء للوطن هو الانتماء الأساسي»، يساعد على الاندماج الاجتماعي لسكان يتكونون من أعراق وديانات وثقافات مختلفة وتاريخ ومصير مختلف؟!

وهكذا يتبين لنا أنه لا الأهداف ولا الوسائل تنسجم مع غاية السياسة السكانية في زيادة نسبة المواطنين بين مجموع السكان.

النقطة الثانية التي نود مناقشتها في السياسة السكانية هي تلك المتعلقة بقوة العمل. فهنا جذر الخلل. وما النمو السكاني غير المعقول!! وما الخلل في التركيبة السكانية إلا انعكاس للخلل في قوة العمل. وقد بينا في مقالنا الأول كيف ارتفعت القوة العاملة من 201.182 فرداً عام 1986 إلى 444.133 عام 2004 وإلى 831.886 عام 2007، ثم قفز إلى 1.265.432 عام 2009، حيث وصلت نسبة غير القطريين إلى %94 من مجموع النشطين اقتصادياً. وبينّا أنه بحسب نتائج التعداد العام للسكان 20/10/2010 بلغ إجمالي قوة العمل 1.275971، منهم 1.118.676 ذكور و157.295 إناث، يشكل القطريون منهم 74.087 أي ما نسبته %5.8. وتفصيل ذلك موجود لمن يريد أن يعرف.

إزاء هذا الخلل الواضح في قوة العمل حددت السياسة السكانية غاية رئيسية لها هي: «زيادة مساهمة القطريين في النشاط الاقتصادي، وخفض نسبة البطالة بينهم، وبالتالي تخفيف عدم التوازن في سوق العمل». ووضعت لذلك تسعة أهداف فرعية، و12 وسيلة وآلية. كما «تم تحويلها إلى مجموعة من المؤشرات بما يساعد في عملية متابعة تنفيذ السياسة السكانية».

وإذا كانت الأهداف والوسائل كما بينّا سابقاً لا تنسجم مع الغاية الأساسية، فإنها هنا لا تلبي ولا تساعد على تحقيق الغاية الأساسية وتفتقر إلى الدقة الكمية.

فبعض الأهداف أقرب إلى الغايات البعيدة منها إلى الأهداف القريبة القابلة للتحقيق في ظرف زماني محدد. خذ على سبيل المثال الهدف الذي يقول: «تحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة مع الحفاظ على حق الأجيال القادمة في الاستفادة من ثروات البلاد ومصادرها الطبيعية». فهذا لا يمكن أن يكون هدفاً قابلاً للتحقق في ظرف سنة أو حتى خمس سنوات. فهو غاية تمتد إلى سنوات طويلة. ولو رجعنا إلى رؤية قطر الوطنية لوجدنا غاية تطابقها في المعنى وقريبة في صياغتها من هذا الهدف، وهي التي تقول: «الغايات المستهدفة... معدلات نمو اقتصادية مقبولة ومستدامة للحفاظ على مستوى معيشة مرتفع للجيل الحالي والأجيال المقبلة» ص 22.

بل إن بعض الأهداف لا يختلف عن الوسائل. خذ المثال التالي:

هدف: «التخلص من العمالة الفائضة عن الحاجة». وسيلة: «وضع حد للعمالة الفائضة عن الحاجة». وانظر في هذا المثال:

هدف: «تطوير القوانين المتعلقة بحقوق العاملين، وإلزام أصحاب العمل بالتقيد بالقوانين والأنظمة الخاصة بذلك، وتوفير سبل السلامة والسكن الملائم وأوقات الراحة للعاملين».

وسيلة: «وضع اللوائح اللازمة لضمان سلامة العاملين، وتوفير السكن الملائم لهم وتوعيتهم بالقوانين، وإلزام أرباب العمل بتنفيذ القوانين».

ضع الهدف مكان الوسيلة فلن تجد فرقاً! ثم هل وسيلة (تطوير القوانين) هو (وضع اللوائح)؟!

وبعض الأهداف لا وسائل لتحقيقها!! خذ المثال التالي:

«.... العمل على تغيير بعض العادات التي تتطلب زيادة أعداد العاملين في المنازل والخدمات الشخصية». ثم انظر في الوسائل فلن تجد ما تحقق به هذا الهدف، بل الموجود: «وضع حد للعمالة الفائضة عن الحاجة ومحاسبة المتلاعبين بالاستقدام الوهمي للعمالة». فهل هذه الوسيلة تصلح لتغيير العادات..؟!!

علاوة على ذلك، تفتقد السياسة السكانية إلى التكميم الإحصائي في مكوناتها، وهذا أكبر مثلب فيها. فكيف نستطيع أن ننفذ ونتابع ونقيم بدون أرقام دقيقة تحدد نقطة الانطلاق ونقطة النهاية؟! ولا يكفي الاعتذار بالقول كما جاء في مقدمة السياسية السكانية لدولة قطر، ص 9 من «أن السياسة السكانية التي تتبناها الدولة وتنفذها لا تعنى بالكم فحسب، بل تكون الغايات نوعية»، ذلك أنه حتى الغايات النوعية قابلة لأن توصف بأرقام قابلة للقياس!!

ونضيف إلى ذلك أنه مما يفقد السياسة السكانية الجدية في التنفيذ والمتابعة والتقييم هو أنها اعتمدت في طرق تحقيق أهدافها على «التوجهات». والحق أني لا أعرف وجه القرابة بين «التوجهات» وبين «الآليات/الوسائل»!! الذي أعرفه كمعنى شائع لكلمة توجه -إضافة إلى معانيها الأخرى– هو النية الحسنة!! فهل نحقق الأهداف بالاعتماد على مجرد النوايا الحسنة؟!

كذلك أيضاً، تفتقد السياسة السكانية للإطار الزماني لتحقيق أهدافها. فجميع أهدافها مستمرة عدا هدف واحد وضعت له خمس سنوات للتنفيذ!! ولا يكفى أيضاً الاعتذار بالقول كما جاء في المقدمة من «أن من بين الأهداف ما يحتاج إلى فترات طويلة للتحقيق، ومنها ما يتحقق في حدود زمنية قصيرة..». فهذا قول لا يسمن ولا يغني من جوع! وهو من قبل: السماء فوقنا!! فكلنا يعرف أن بعض الأهداف يحتاج إلى فترات طويلة وأخرى تحتاج إلى فترات قصيرة!! لكن ما نحتاج معرفته أكثر لكي نتابع ونقيم هو كم هي طويلة وكم هي قصيرة؟ أي بدون أن نحول العبارات الوصفية (طويلة وقصيرة) إلى أرقام (شهر – سنة – خمس سنوات.. إلخ) فإننا لن نستطيع أن نتابع أو نُقيِّم.

إن رؤية قطر الوطنية وضعت لها سقفاً زمنياً هو عشرين سنة، فكيف بسياسة سكانية وضعت لها غاية هي: «زيادة مساهمة القطريين في النشاط الاقتصادي، وخفض نسبة البطالة بينهم، وبالتالي تخفيف عدم التوازن في سوق العمل»، لا تضع إطاراً زمانياً تتحرك فيه!!

خذ الهدف الأول: «بلورة نظام معلومات شامل لسوق العمل القطري لمساعدة أصحاب العمل والباحثين عنه لتحقيق التشغيل الأمثل لقوة العمل القطرية»، ووسيلة تحقيقه: «تأسيس قواعد بيانات متجددة للعمالة عامة وللقطرية خاصة». فهل تأسيس قواعد بيانات.. عمل مستمر إلى ما لا نهاية؟!

خذ الوسيلة الخاصة بالهدف الثاني «مراجعة التشريعات الخاصة بسوق العمل»، فهل مثل هذه المراجعة تحتاج إلى زمن لا نهائي؟!

إن المتابعة والتقييم لا يمكن أن يتما إلا لأعمال معروفة البداية والنهاية، حتى لو كانت طبيعة العمل الاستمرارية.

يبدو أن هناك خلطاً لدى من صاغ السياسة السكانية بين «مراجعة التشريعات الخاصة بسوق العمل» بصورة عامة، وبين «مراجعة التشريعات الخاصة بسوق العمل» المطبقة بالفعل. فمراجعة التشريعات عملٌ مستمر بحسب التغيرات المختلفة التي يمر بها المجتمع، لكن كل عملية مراجعة لا بد أن تكون محددة الزمان، وإلا كيف تتغير التشريعات؟!

إن الذي غايته «زيادة مساهمة القطريين في النشاط الاقتصادي، وخفض نسبة البطالة بينهم، وبالتالي تخفيف عدم التوازن في سوق العمل»، لا بد أن يكون عمله منصباً على ما هو قائم بالفعل من تشريع وتدريب وتعليم وقيم إلخ ليغيرها أو يعدلها أو يطورها في فترة زمنية معروفة البداية ومعروفة النهاية ومضبوطة بأرقام محددة قابلة للقياس وبالتالي للمتابعة والتقييم. أما ترك الأمور هكذا «مستمرة» فهو عمل أقل ما يقال عنه إنه غير علمي وغير عملي في الآن ذاته!!

 


 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق