الجمعة، 27 يونيو 2014

رؤية قطر الوطنية 2-2


رؤية قطر الوطنية 2-2

.. دعوة للحوارفي فضائل المجتمع المعافي

 

محمد الخليفي

.لقد تحدثنا في مقالنا السابق عن الصدق باعتباره الفضيلة الاجتماعية الأولي، وميزنا بين الصدق والصواب، وأشرنا إلي أن الصدق في تعبيرنا عن الواقع الاجتماعي الذي نعيشه، ويهمنا، ونريده، الواقع الذي يحقق مصالحنا، سوف يقودنا إلي معرفة الصواب.


وختمناه بالقول : إذن ليس من سبيل إلي معرفة الواقع - الذي نريد ويحقق مصالحنا - علي حقيقته، وليس من سبيل إلي اتخاذ قرارات صائبة تعكس تلك المصالح، سوى أن يعبر كل منا عن معرفته بصدق .


 

لكن دعنا ننظر في الموضوع من زاوية أخري،

 

دعنا نميز في حديثنا عن الواقع الاجتماعي بين مستويين أو مجالين : الواقع من حيث هو موضوعاً للمعرفة، والواقع من حيث هو ميداناً للفعل . الأول من اختصاص العلم، والثاني من اختصاص السياسة .

 

وإذا كان طريق العلم لمعرفة الواقع هو البحث والتنقيب والدراسة، فإن طريق السياسة، وإن كان لا يستغني عن العلم، هو من خلال عد الآراء (رأي الأغلبية) .

 

الواقع الاجتماعي من حيث هو ميداناً للفعل هو محل ترتيبات وتنظيمات مجال الرأي فيها كبير، بل كثير منها تفضيلات . فالقوانين المختلفة ترتيبات اجتماعية، والترتيب الاجتماعي يعبر عن رأي (معرفة ومصلحة وقيمة) مرتبط بزمان ومكان، قابل للتغير بحسب ظروف الزمان والمكان . ولنضرب لك بعض الأمثلة :

 

فقانون الموارد البشرية ترتيب اجتماعي يعبر عن رأي - تحكمه معارف ومصالح وقيم - تلك المجموعة من المستشارين والخبراء الذين صاغوه، وقبلهم أولئك الذين طلبوا، ليصدر قانوناً بمواده التي نعرفها، أي أنه اجتهاد يحتمل الخطأ والصواب، وينبغي ان أنبهك إلي ان الخطأ والصواب هنا ليسا الخطأ والصواب المعرفي الذي يحل بمجرد زيادة المعرفة، بل الخطأ والصواب المرتبط بالتعبير عن القيم والمنافع الجزئية للافراد التي جاء القانون لينظمها، ولو طُلب من مجموعة أخري من المستشارين والخبراء لصاغوا قانوناً آخر، يعبر عن رأيهم الذي تحكمه هو الآخر معارف ومصالح وقيم . مثلهم في ذلك مثل الذين صاغوا قانون الخدمة المدنية من قبل والذين سيصوغون قوانين أخري بعدهم .

 

فالقرارات التنظيمية المختلفة التي حولت الوزارات إلي هيئات، والتي حولت الهيئات إلي وزارات، والتي حولت الوزارات إلي مجالس، أو التي قد تحول المجالس إلي وزارات . كل ذلك آراء فيها من احتمال الخطأ والصواب أكثر مما فيها من اليقين .

 

 

 

أنظر إلي مثل آخر من القرارات .

 

أنظر إلي قرار استضافة الألعاب الأسيوية عام 2006 أو قرار استضافة كأس العالم 2022 ? هذان قراران فيهما من الرأي والتفضيل أكثر مما فيهما من العلم، وكان يمكن أن يُتخذ قراراً آخر يستضيف فرقاً مسرحية من جميع دول العالم وليس من آسيا فقط، أو يستضيف فرقاً موسيقية أو غير ذلك مما هو مشترك بين الشعوب، ويحقق الأغراض التي نشدنا تحقيقها من تنظيم الأسياد أو كأس العالم .

 

بل ربما نقرر أن لا نفعل أياً من ذلك دون أن نخسر أي شيء !! كذلك أنظر إلي قرار بناء مسجد كبير (جامع الدولة)، هذا قرار فيه من الرأي والتفضيل أكثر مما فيه من العلم .

 

وكان يمكن أن لا يشيد دون أن يتغير شيء، كما يمكن أن يشيد بدلاً منه (مكتبة الدولة) أو مكتبات تتنشر في الأحياء المختلفة للمدن القطرية أجدي وأنفع . وأنظر أيضاً إلي قرار تشييد أبنية ضمن طراز معين في منطقة الأسواق القديمة التي تدعي الآن ب (سوق واقف)، فهذا قرار فيه من التفضيل والرأي أكثر مما فيه من العلم . وكان يمكن تمحي الأسواق القديمة عن بكرة أبيها ويشيد مكانها سوق جديد بطراز سريالي !!

 

 

ولن يكون قراراً علمياً أكثر من القرار الأول !! . ولن يعدم من يصفق له ويُشيد به وينظر إليه باعتباره تحفة معمارية قليل ما يجود بها الزمان . وبدلاً من محمد علي (بدنجله ومرازيمه ..) يقول لنا : ها أنا أحافظ لكم علي تراث الأجداد !!

 

سوف يظهر محمد علي آخر بخليط من منشورات الزجاج والخشب والجبس والحديد والألمنيوم والخيش والنحاس .. الخ يقول لنا : ها أنا أنقلكم من الخرب القديمة إلي عصر ما بعد الحداثة!

 

تلك أمثلة ضربناها لنبين أن القرارات العامة هي تعبير عن رأي تحكمه مصلحة ومعرفة وقيمة، وهذه كما تعلم أمور نسبية، تحكمها مصالح ومعارف وقيم الأفراد . إذن لكي يكون كل قرار نتخذه لترتيب الواقع أو تغييره قراراً صائباً ومعبراً أصدق تعبير عن الإرادة العامة وساعياً نحو تحقيق الصالح العام لا بد أن نعبر عن معرفتنا بالواقع، وعن رأينا في تغيير الواقع بصدق .

 

وللتعبير بصدق شروط يهمنا منها الشرط الموضوعي . وشرط التعبير بصدق هو حرية التعبير، أي أن يتاح لكل فرد في المجتمع أن يقول ما يعرف ويعلم، وأن يقول ما يظن ويري ويعتقد، ولكي يتمكن أي مواطن من التعبير عن رأيه بصدق لا بد أن تزول من حوله كل أسباب الخوف، الخوف علي حاضره أو مستقبله .

 

فلا يطارد أو يعتقل بسبب رأي، ولا يضطر أن يبيع صوته ليعيش . أو أن يقول نعم في استفتاء يدفع به ضرر قد يلحق به . عندما يشعر المواطن بأنه آمن في أن يعبر عن رأيه بحرية، حينئذ يكون قوله الذي ينطق به تعبيراً صادقاً عما في نفسه، أليس الصدق إخبارٌ عن النفس ؟!

 


 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق