الخميس، 26 يونيو 2014

الخلل السكاني قراءة في استراتيجية قطاع سوق العمل 2-2


الخلل السكاني.. قراءة في استراتيجية قطاع سوق العمل 2-2

2011-08-11

 

محمد الخليفي

 

عرضنا في الجزء الأول من هذا المقال أهم الأفكار التي تضمنتها استرتيجية قطاع سوق العمل . وقبل أن نشرع في التعليق عليها، فإننا نود أن نشير بداية إلى أنه لا الاستراتيجية ولا رؤية قطر الوطنية قبلها قد طرحت موضوع الخلل السكاني ضمن اهتماماتها بصورة مباشرة. نستثني من ذلك بعض الإشارات التي تضمنتها وكشفت بها عن آثار ذلك الخلل والمخاوف منه. كما نود أن ننبه إلى أننا لن نهتم بالتفاصيل التي تضمنتها، بل سننظر إليها من زاوية مساهمتها في تصحيح الخلل السكاني، فهذا هو بالنسبة لنا المحك الذي نُقَيِّم عليه نجاعة الاستراتيجية من عدمها، ودون أن يعني أننا نرفض على نحو مطلق ما تضمنته من أفكار. بل نستطيع القول إن الاستراتيجية قدمت الكثير من الأفكار الجيدة، سواء تلك التي تعلقت بتنمية مهارات القطريين، أو بتوفير فرص مشاركتهم في القطاع الخاص، أو التي تعلقت ببناء نظام للمعلومات أو الخاصة بالإرشاد المهني وغيرها. وهي أفكار تستحق الثناء.

ورغم ما يبدو من صنعة في صياغة الاستراتيجية بتحديد الواقع الراهن في الجزئية التي تعالجها ومحاولة تفسيرها وتعليلها، وتحديد المخرجات التي تنشدها، وتحديد نقطة الانطلاق ونقطة النهاية (أهداف 2016)، إلا أننا نستطيع أن نزعم بأن الاستراتيجية تضمنت بعض العبارات العامة التي لا دليل عليها. من ذلك مثلاً القول إنه «نظراً لحجم الاقتصاد القطري الكبير نسبة إلى عدد السكان فسيكون أغلب العمال المهرة غير قطريين» أو القول: «في سياق تشجيع استمرار استخدام العمالة الأجنبية بكثافة...» أو القول: «تسعى قطر لبناء اقتصاد قائم على المعرفة، وهذا يعني اعتمادها بشكل كبير على العمالة الوافدة.» وهي العبارات ذاتها التي قام عليها التعليل الذي قامت عليه الاستراتيجية.

إن عبارة (الاقتصاد الكبير) في حاجة إلى توضيح وتحديد. فكم هو كبير وبأي معنى؟ بل إن هذا القول يتناقض مع الواقع فرغم (الاقتصاد القطري الكبير) إلا أن أغلب العمالة المهارة بحسب الاستراتيجية هي عمالة وطنية!! ومعظم العمالة غير القطرية عمالة غير ماهرة. (انظر سابقاً) كذلك ما المسوغ إلى «تشجيع استمرار استخدام العمالة الأجنبية بكثافة»؟ ولماذا «تشجيع»؟ وكم «بكثافة»؟ ثم ما العلاقة بين سعينا إلى بناء اقتصاد قائم على المعرفة، وبين الاعتماد بشكل كبير على العمالة الوافدة؟ وكم «بشكل كبير»؟ بل أليس الأدق القول: «تسعى قطر لبناء اقتصاد قائم على المعرفة، وهذا يعني اعتمادها بشكل قليل على العمالة الوافدة»؟ أليس (الاقتصاد القائم على المعرفة) هو الذي يعتمد على كثافة في رأس المال عن طريق الاستثمار في التكنولوجيا مستعيضاً عن الأيدي العاملة؟ أليس هذا ما تؤكد عليه الاستراتيجية؟! كذلك أيضاً فإن الحديث عن المهارة بإطلاق هو حديث عائم لا تقوم عليه استراتيجية، بل لا بد من تحديد طبيعة ونوع المهارة وفي أي مهنة ونشاط اقتصادي.

علاوة على ذلك، تعاملت الاستراتيجية مع حجم العمالة الوافدة باعتباره أمرا واقعا لا مفر من التسليم به. لذلك جاءت الأرقام التي تنشدها تدور ضمن هذا الواقع الذي تصفه. فهي لم تتحدث مطلقاً عن خفض في حجم العمالة الوافدة، كما لم تتحدث في المقابل عن رفع لنسبة العمالة المواطنة في الحجم الكلي للعمالة. بل اكتفت برفع مشاركة العمالة القطرية في قوة العمل القطرية أي داخل العمالة القطرية النشطة اقتصادياً. وكما نعلم فإن زيادة حجم قوة العمل القطرية لا يعني تلقائياً زيادة نسبتها في قوة العمل الكلية؛ فنحن نعرف أن قوة العمل القطرية قد زادت خلال العشر سنوات الفائتة، لكن نسبتها ضمن قوة العمل الكلية انخفضت (من %14 سنة 2001 إلى %6 سنة 2009). كذلك فإن رفع نسبتها في القطاع الخاص من %5 إلى %15 هو عمل ممتاز لكن ليس لهذا أي علاقة بالحجم الكلي للعمالة. والشيء نفسه يقال عن رفع نسبة العمال المهرة التي تسعى الاستراتيجية إلى رفعها من %17 إلى %23. فهذا التغيير يمكن أن يقع ضمن الحجم الكلي للعمالة دون أدنى تغيير.

إن استراتيجية لقطاع سوق العمل لا تُخضع الحجم الكلي للعمالة الوافدة للسؤال العلمي الدقيق هي بالنسبة لنا استراتيجية جانبت موطن الخلل. ليس هذا فحسب، بل إن المرء مثلي ليعجب كيف أن استراتيجية تعترف بأن القطاع الخاص لا يؤدي سوى دور محدود في الاقتصاد وأن نسبة مساهمته «في مجمل الناتج تقل بكثير عن (%40)» وفي الوقت نفسه يستحوذ على %78 من الناشطين اقتصادياً، ثم لا تطرح السؤال: هل يعبر هذا الرقم (حجم العمالة في القطاع الخاص) عن حاجة حقيقية للاقتصاد الوطني؟ إن هذا سؤال غاب من الاستراتيجية. لذلك جاء التعليل الذي قامت عليه الاستراتيجية تعليلاً عائماً: (نظراً لحجم الاقتصاد القطري الكبير مقارنة بعدد السكان فسيكون أغلب العمال المهرة غير قطريين) هكذا بدون أرقام وبدون أفق. إلى متى سيكون ذلك؟ خمس سنوات؟ عشر سنوات؟ عشرين سنة؟

أما العبارة التي وردت في الاستراتيجية متضمنة توجيها للمؤسسات «والجهات التنظيمية في البلاد بمعالجة الانخفاض الكبير المتوقع في عدد العمال في قطاع البناء (من %44 من إجمالي عدد العمال في عام 2009 إلى %27 في عام 2016)» فهي عبارة لا تتحدث عن خفض من العدد الكلي للعمالة بل عن « تغيرات قطاعية»، محصورة في قطاع البناء.

ومثلها ما ورد في (استراتيجية التنمية الوطنية لدولة قطر 2011 – 2016) ص 142 بالنص التالي: «وإذا نظرنا إلى المستقبل فإن هناك خيارين لتطوير الاقتصاد القطري، لكل منهما نتائج هامة على التنافس على قوة العمل. فإذا استمر الاقتصاد في الاعتماد الكبير على عوائد المواد الهيدروكربونية لتمويل المشاريع التنموية الضخمة، وظلت مستوى الإنتاجية على حالها فإن ذلك سيتطلب وجود 1.6 مليون عامل بحلول 2016. وإذا انخفض الاعتماد على الموارد الهيدروكربونية كما تطمح إليه رؤية قطر الوطنية 2030، فإن دولة قطر ستحتاج إلى 1.2 مليون عامل فقط عام 2016، أي ما يساوي العدد نفسه الذي كان موجوداً عام 2009 تقريباً».

والواقع أن هذا ليس خفضاً حقيقياً، بل هو مقارنة بين مستقبلين لقوة العمل، واحد حجمه 1.6 والثاني حجمه 1.2، يحدده مدى الاعتماد على الموارد الهيدروكربونية. والحق أنني لم أفهم كيف يؤدي الاعتماد على الموارد الهيدروكربونية إلى زيادة حجم قوة العمل. الذي أفهمه هو أن الذي يحدد حجم قوة العمل ليس الاعتماد على الموارد الهيدروكربونية أو الاعتماد على مصادر متنوعة، بل حجم وطريقة تخصيصنا لتلك العوائد.

ولأن استراتيجية قطاع سوق العمل لم تحدد حجم العمالة المطلوب ولا «المهارات والقدرات المطلوبة في العمل لكل قطاع»، ولا «التوليفة المناسبة للعمال الأجانب لكل قطاع»، نجدها تلجأ إلى جعل واحدة من نتائجها مسؤولة عن تحديد كل ذلك!! هي النتيجة الخامسة (تنفيذ التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية). وهذا تفكير غريب، لأن استراتيجية قطاع سوق العمل في الواقع هي جزء من التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية!! وليس العكس. فكيف تصبح هذه جزءا من تلك؟! وإذا كان على (استراتيجية الموارد البشرية) أن تقوم بكل ذلك فلماذا كان هناك استراتيجية لقطاع سوق العمل؟! هل لكي تقول لنا: نحن في حاجة إلى استراتيجية للموارد البشرية؟!

وهكذا أصبح واجباً على الخطة «أن تحتوي قائمة مفصلة بعدد الموظفين المطلوبين ونوعهم (وفق المهارات) في كل قطاع من الاقتصاد القطري. وينبغي أن تساهم الأطراف المعنية الرئيسية في تحديد تلك القائمة التي عليها أن تدعم التحول نحو طرق إنتاج تعتمد بشكل أكبر على التكنولوجيا، ونحو الاقتصاد القائم على المعرفة» كما «لا يتحقق الاستخدام المستهدف للعمالة الوافدة إلا إذا أدرك البلد نوع العمال الذين يحتاجهم» وبالتالي أصبحت «الحكومة القطرية قادرة على ضمان تنمية قوة العمل بطريقة تلائم الأهداف الاقتصادية للبلد».

هذا ما كان على استراتيجية قطاع سوق العمل أن تقوم به لا أن تتعامل مع سوق العمل بعبارات عامة غير مضبوطة، وتحيل ما ينبغي عليها تحديده بالضبط إلى استراتيجية أخرى!!

وبرغم كل ما تقدم فإن استراتيجية قطاع سوق العمل هي خطوة في معالجة وتصحيح الخلل في قوة العمل باعتباره أساس الخلل السكاني، لذا فهي في حاجة إلى فحص وتمحيص أعمق وأشمل مما قمت به.


 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق