الجمعة، 27 يونيو 2014

رؤية قطر الوطنية 1-2


رؤية قطر الوطنية .. دعوة للحوار

محمد الخليفي


ما المعيار الذي نوازن بواسطته بين تحديث الثقافة والمحافظة عليها؟

في الثالث والعشرين من شهر يونيو لعام 2008 صدر القرار الأميري رقم (44) باعتماد الرؤية الشاملة للتنمية رؤية قطر الوطنية، حيث وضعت القيادة السياسية نصب عينيها غاية قصوى هي تحويل قطر بحلول العام 2030 إلى دولة متقدمة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة وعلى تأمين استمرار العيش الكريم لشعبها جيلا بعد جيل .

وهو قرار لا يستحق مجرد الإشادة بل يستحق أن تستنهض الهمم، وتشحذ العقول من أجله.. لأنه بدون رؤية واضحة تضع الأسس التي يقوم عليها المجتمع، وترسم الغايات التي يسعى إليها، وتبنى على أساسها الاستراتيجيات، وتحدد على ضوئها الأولويات، تصبح القرارات المختلفة مثل الجزر المعزولة التي لا رابط بينها، فتتعارض وتتصادم ويلغي بعضها بعضا، فتصبح مضيعة للوقت والجهد والمال.


 

لقد أكدت الرؤية على أنه لكي تظل قطر أمينة على قيمها، التي هي قيم عربية إسلامية، فإنه يتوجب عليها أن تتعامل مع خمسة تحديات رئيسية تتمثل في الموازنة بين الخيارات التالية:

 

1- التحديث والمحافظة على التقاليد. 2- احتياجات الجيل الحالي واحتياجات الأجيال القادمة. 3- النمو المستهدف والتوسع غير المنضبط. 4- مسار التنمية وحجم ونوعية العمالة الوافدة المستهدفة. 5- التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية البيئة وتنميتها .

 

ووضعت أربع ركائز تقوم عليها، تتمثل في تنمية بشرية تعنى بتنمية مواطن قطري صحيح العقل، صحيح الجسد، عبر نظام تعليمي وآخر صحي يضاهي أعلى المعايير العالمية، وتضمن من خلال ذلك مساهمة فعالة في قوة العمل، وتنمية اجتماعية تهتم ببناء أسرة قوية متماسكة، ومشاركة فعالة للمرأة، وتوفر نظام رعاية اجتماعية يهيىء سبل العيش الكريم للمواطنين، وتحافظ على التراث الثقافي للمجتمع، وتمكن أفراد المجتمع من المساهمة الفعالة عبر شراكات إقليمية ودولية في بناء مجتمع إنساني آمن من جوع ومن خوف، وتنمية اقتصادية تحقق استغلالا أمثل لموارد ناضبة وتحولها الى أصول متجددة تحقق تنمية مستدامة لجميع المواطنين، وتنمية بيئية تضمن الانسجام والتناسق بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية البيئة .

 

تلك هي المحاور الأساسية التي تضمنتها الرؤية. لقد حددت الرؤية الأهداف العامة والغايات القصوى التي ينبغي علينا تحقيقها، وهي بذلك قد أجابت عن السؤال: (ماذا؟) ماذا نريد ان نحقق لمجتمعنا خلال عقدين من الزمان؟

 

وبقي علينا ان نفكر في الإجابة عن سؤال آخر: كيف؟ وتدشين سمو ولي العهد حفظه الله للرؤية هو بداية التفكير في الإجابة عن السؤال (كيف؟).

 

وفي كلمته التي افتتح بها معالي رئيس مجلس الوزراء أكد على أن رؤية قطر الوطنية 2030 منكم ولكم لذلك أدعوكم لأن تبذلوا قصارى جهودكم للوفاء بمسؤوليتكم تجاهها، كما أدعوكم للعمل معا من أجل تحقيق أهدافها وتطوير الاستراتيجية الوطنية المنبثقة عنها ، ونحن استجابة لهذه الدعوة، والتزاما بمسؤوليتنا الوطنية، فإننا نبادر بتحليل ومناقشة ما تضمنته الرؤية من أفكار، واقتراح ما نراه من تصورات تساهم في بلورة ما أوجزته الرؤية، ووضع لبنة صغيرة في بناء مجتمع نرجو الله ان يكون شامخا عزيزا بأهله.

 

وسوف نركز في حديثنا هذا على مجموعة من القضايا التي نظن أننا نستطيع أن نقدم فيها رأياً.

 

إن أول التحديات التي تطرحها الرؤية الشاملة للتنمية هو كيفية الجمع بين التحديث وثقافة المجتمع، أو بين التحديث والمحافظة على التقاليد كما جاء في الوثيقة، وهو تحد يأتي من مصدرين هما النمو الاقتصادي المعولم، والاتصال الثقافي في المجتمع الإنساني المعاصر، فقد أدى ذلك إلى تصادم بين قديم يحمله أفراد المجتمع في وعيهم، وجديد يأتيهم من اقتصاد معولم واتصال مباشر وغير مباشر بثقافات متعددة ومتنوعة.

(لم توضح الوثيقة حجم التصادم ولا شدته ولا طبيعته) وتضرب لذلك مثلا في تصادم أنماط العمل الحديثة وضغوط التنافس مع العلاقات التقليدية، كما تشير الوثيقة إلى أن التقدم (دون أن تفصح عن كنهه) قد ترافق مع حريات أوسع واختيارات أكثر (لم تفصح لمن ولا في أي مجال) تشكل تحديا للقيم التقليدية والأصيلة الراسخة في المجتمع.

 

وتخلص من ذلك كله إلى القول: ومع ذلك يمكن الجمع بين أنماط الحياة الحديثة وقيم المجتمع وثقافته ، ورؤية قطر الوطنية تستجيب لهذا التحدي وتستهدف ربط القديم بالحديث بشكل متوازن .

 

الذي يهمنا هذا الذي خلصت إليه الوثيقة، فالتوازن بين القديم والحديث هدف تنشده رؤية قطر الوطنية، ومطلوب منا جميعا أن نعمل الفكر في تحديد الكيفية التي نحقق بها هذا التوازن، ونجمع بواسطتها بين أنماط الحياة الحديثة وقيم المجتمع وثقافته.

 

وما ينبغي ان نوضحه ابتداء هو أن مفهوم الثقافة كما نستخدمه في هذا الحديث يشير الى كل جوانب الحياة المادية والمعنوية التي ينتجها الإنسان من خلال تفاعله مع الطبيعة والبشر والثقافة بهذا المعنى تتميز بأنها (اختراع إنساني)، فالإنسان يخترع أدواته التي بها يصيد، وأدواته التي بها يطبخ، والتي بها يأكل، ويخترع أدوات أخرى، بها يبني، وبها يكتب، وبها يعزف، وبها يدافع عن نفسه، وبها يكتشف العالم فيه والعالم من حوله.. الخ، واختراع الإنسان لثقافته لا يقف عند الجوانب المادية، بل ينطوي على اختراع وابتكار لأفكار وعقائد وقيم وفنون تعبيرية وقوانين ونظم.. الخ.

 

وتتميز الثقافة بأنها (متعلَّمة)، فكل ما يخترعه الإنسان قابل لأن يعلم ويتعلم، فالناس يتعلمون من بعضهم البعض، وينقلون ما تعلموه من جيل إلى جيل، من خلال عملية التنشئة الاجتماعية عبر قنواتها المختلفة، وبهذا الانتقال خلال الزمان تحافظ الثقافة على استمراريتها، وبها تكتسب الجماعة خصوصيتها.

 

وهي تخضع خلال عملية الانتقال هذه لعمليات (تعديل وتغيير)، وهذه ميزة ثالثة، فهي ليست ثابتة، وبهذا التعديل والتغيير تتجدد الثقافة وتتطور وتنمو وتستمر.

 

إضافة الى ذلك فإننا نود أن ننبه إلى مسألة مهمة هي أننا عندما نتحدث عن التحديث والحديث والحداثة، والتقاليد والقيم والثقافة، والجديد والقديم ، فنحن لا نتحدث عن مفاهيم بسيطة واضحة بل عن حياة متنوعة ومتشابكة ومتغيرة ممتدة عبر الزمان والمكان.

 

فأي (تقاليد) تلك التي يجب ان نحافظ عليها، وأي (حياة حديثة) تلك التي يجب أن نتبناها؟ ومتى يكون الربط بين القديم والحديث متوازنا ومتى لا يكون؟ ولكي لا نتوه في الإجابة، ويحدد كل واحد منا القديم والجديد الذي (يفضله) فإن سؤالا آخر ينبغي ان نجيب عليه: ما المعيار الحاكم الذي نستمد منه ونستلهم مكونات إجابتنا؟

لن نتعب أنفسنا في البحث عن معيار نحتكم إليه، فقد أعفتنا (الرؤية) عناء البحث والتنقيب، فيه واضحة وصريحة في تحديد المعيار الذي يجب ان نلتزمه في تعاملنا مع تحدي (التحديث والمحافظة على التقاليد)، فالرؤية تنطلق من كون قطر دولة عربية إسلامية، ومن ثم فإن أي إجابة لابد لها أن تنطلق من هذه الحقيقة (عروبة قطر وإسلامها)، وتقييم أي إجابة لابد أن يستند إلى هذه الحقيقة، فكل إجابة لا تكون مرجعيتها عروبة قطر وإسلامها لا يمكن ان تكون ضمن دائرة الحوار الوطني الذي يفكر في وضع الاستراتيجيات والخطط التي تحقق الرؤية، وكل إجابة لا تحافظ على انتماء قطر العربي الإسلامي هي إجابة غريبة عن مستقبل قطر حتى لو ارتدت الغترة والعقال وحملت علم قطر!! عروبة قطر وإسلامها هما المعيار والمحك الذي نحدد على هداه كل فعل وكل قرار وكل قانون وكل اتجاه يطرح للنقاش أو التطبيق في مجتمعنا القطري.

 


 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق