الجمعة، 27 يونيو 2014

استخدام المال العام لمنفعة خاصة


استخدام المال العام لمنفعة خاصة

هو استخدام مناقض لوظيفة المال العام واعتداء على حق مملوك للجميع

 محمد بن هلال الخليفي

 

 

( المنفعة العامة ) تعبير يتصدر كثير من ( القرارات ) التي تصدرها الدولة ، بترقية موظف أو فتح شارع أو نزع ملكية أو غير ذلك . وهو ( مفهوم ) في حاجة إلى تحليل يميزه عن غيره من ( المفاهيم ) . ولو حاولنا ذلك فإننا نبدأ أولاً بالتفريق بين العام وما عداه . فالعام كما يكشف عنه اسمه هو ما لا يخص أحداً بالذات . مثل الهاتف العام والنقل العام والمدارس العامة ودورات المياه العامة الخ ، ويقابله الخاص وهو ما يخص شخصاً محدداً بالإسم اعتباري أو طبيعي . مثل سيارتي ومنزلي وهاتفي الخ ، أو سيارة وقود أو أبراج الفردان ..


وكما تلاحظ فإن الذي يميز بين العام والخاص هو نوع الملكية . فالعام هو ما آلت ملكيته للدولة ، والخاص ما آلت ملكيته لشخص أو مجموعة أشخاص طبيعيين أو اعتباريين. والعام ينتفع به العموم مثل الهاتف العام أو ثلاجات الماء العامة ، أما الخاص فينتفع بها شخص محدد بصفته الشخصية . فالحديقة في المنزل يملكها صاحب المنزل ، فهي خاصة به ينتفع بها هو وأسرته ومن شاء من أصدقائه ، أما الحديقة في الحي أو المدينة فهي خاصة بمالك المدينة وهي الدولة وينتفع بها أعضاء الدولة بدون استثناء أو تمييز .

لا يغير من ذلك ، أي من تساوي أعضاء الدولة في الانتفاع بملكيتها أقصد الحديقة العامة ، تنظيم انتفاعهم بها ، كأن تسن الدولة القوانين واللوائح التي تحدد بها طبيعة المنتفعين ، وأوقات الانتفاع ، وهل هو بالمجان ، أم نظير رسوم الخ . فقد تحدد مثلاً أياماً للعائلات ، وأياماً للجميع أو ربما قصرتها على العائلات ، وقد تحدد زمن الاستخدام ، وقد تفرض رسوماً على الدخول الخ . والطريق العام - مثلاً آخر - يستفيد منه العامة بحسب القانون ، الذي ينظم طبيعة الاستفادة وحدودها وشروطها بصرف النظر عن الأفراد . فيسمح بمرور المركبات الكبيرة في ساعات معينة ، ولا يسمح للمركبات التي حمولتها أكثر من كذا طن من المرور ، وهكذا بصرف النظر عن زيد أو عبيد . وقل مثل ذلك عن وسائل النقل والمواصلات والإتصالات وغيرها كثير . نخلص من ذلك إلى النتيجة التالية : كل عام منفعته عامة .

لكن ليس كل خاص منفعته خاصة ، فهناك الملكية الخاصة ذات المنفعة العامة مثل سيارات الأجرة ، سواء تلك التي يملكها شخص طبيعي أو اعتباري . فسيارات الأجرة تقدم خدمة عامة فتنقل كل من يطلب خدمتها إلى حيث يريد . ومثلها المدرسة الخاصة والجامعة الخاصة والبقالة الخاصة والمستشفى الخاص والمخبز الخاص ، والثلاجات وحافظات المواد الغذائية المملوكة لشركات والموجودة في الأماكن العامة ..الخ كل هذه المملوكات ذات نفع عام ، أي يستطيع كل فرد أن يستفيد من خدماتها . كل فرد في المجتمع يستطيع أن يلحق ابنه ليتعلم بالمدرسة الخاصة وبالجامعة الخاصة ، ويستطيع أن يشتري ما يشاء مما هو متوفر في البقالة الخاصة ، وأن يذهب للتعالج في المستشفى الخاص أو للأكل في المطعم الخاص. وأن يضع مبلغاً محدداً من المال في الثلاجة ليخرج له ما يشاء مما هو متوفر في الثلاجة من ماء أو خلافه الخ .

لذلك يجب أن لا نخلط بين طبيعة الملكية وبين طبيعة المنفعة ؛ لأن الذي يميز بين العام والخاص هو طبيعة المالك وليس طبيعة الانتفاع أو الاستخدام . كما ينبغي أن لا نخلط أيضاً بين طبيعة الملكية وكونك تدفع أجراً نظير خدماتها أو لا تدفع . فالمرفق العام ، والمرفق الخاص يكتسب صفتة كما سلف القول من طبيعة ملكيته ، بصرف النظر عن كون الخدمة مجانية أو نظير أجر ، فهناك مرافق عامة ندفع لها أجراً نظير ما تقدمه لنا من منفعة مثل مؤسسة البريد ، قبل أن تتحول إلى شركة خاصة ، ويمكن أن تكون هناك مؤسسات خاصة تقدم خدمتها مجاناً كأن توقف ملايينك على مشروع تعليمي تقدم خدماته بالمجان . وكونك لا تتقاضى أجراً على ما تُقدم من خدمه لا يحول مشروعك إلى مشروع عام ، بل يظل مشروعاً خاصاً يؤدي منفعة عامة . فلا يغير من كون المشروع ذو نفع عام أنك تدفع مبلغاً من المال نظير الاستفادة من خدماته . ولا يغير من كونه مملوكا ملكية خاصة أنه ذو نفع عام .

كذلك أيضاً لا يغير من طبيعة المؤسسة كونها عامة أو خاصة ، كونها تهدف إلى الربح أو لا تهدف له . فالمصانع المملوكة للدولة مصانع تهدف إلى الربح ، ومع ذلك فهي مؤسسات عامة . والمؤسسة الصحية الخاصة و المؤسسة التعليمية الخاصة وغيرها من المؤسسات الخاصة التي تقدم خدمات عامة ولا تهدف إلى الربح ، تظل مؤسسة خاصة.

العام باعتباره ملكاً للدولة ، والدولة باعتبارها ممثلاً لمجموع المواطنين تنقلنا إلى نتيجة هامة هي أن الدولة منظوراً إليها بصفتها هذه لا يمكنها أن تخصص الانتفاع بملك عام لشخص بصفته الشخصية ، وعندما تفعل الدولة ذلك فإنها تفقد صفتها تلك باعتبارها ممثلة لمجموع المواطنين ، وهي لا تفعل ذلك إلا إذا فقدت إرادتها . لذلك يعتبر كل استخدام أو استغلال لملكية عامة أو استيلاء عليها لمنفعة خاصة هو استخدام مناقض لطبيعتها أي لطبيعة المنفعة العامة واعتداء على حق مملوك للجميع ، يعاقب عليه القانون. وللحديث تتمة


 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق